إن كنت ذهبت إلي الأقصر و أسوان في يوم من
الأيام فإنك بالطبع كنت مهتما بالصور و التصوير. عن نفسي فقد ضمنت كم لا بئس به من
الصور- و بطبيعة الحال عدد أكبر من الليكات و الكومنتات- لكني لم أكن تافها إلي
هذا الحد، لأن الفيلسوف الصغير الكامن بداخلي بدأ بتحليل كل ما يري و يختزن الصور
و التحليلات إلي أن أراد أن تري النور علي الورق. و كان السؤال البديهي و المنطقي
و الساذج لماذا قامت الحضارة الفرعونية من الأساس؟ بالطبع الجو و الموقع و قوة الإنسان
المصري القديم و ما إلي ذلك من أسباب أُستهلِكَت بشكل لا يوصف في كتبنا المدرسية و
مواضيع التعبير علي مر السنوات الدراسية و حتي في الخطابات السياسية المتبوعة
بتصفيقٍ حار. إني لست دارس لعلوم الأنسان و لست باحث في مقومات الحضارة، لكني
أُريد أن أُضيف لتلك المُناقشات الملاحظة و الشغف. نعم قامت تلك الحضارة المُعجِزة
بكل المقايس – و هذا ما رأيت رأي العين- لأن الأنسان المصري كان ملاحظ جيد دقيق و
قد تري هذا في أدق التفاصيل في المعابد و المقابر. ففد كان المصري يرسم المصري
الجنوبي غير الشمالي في التفاصيل فهذا أبيض و ذاك أسمر و ذو أنف أفطس! أما الشغف
فهو ما يحول الحب إلي عشق و السؤال إلي بحث، و إن كان العلم يصنع مثقفاً فالشغف
تجاه العلم يصنع فكراً و الفكر لا يموت. و لكن ما العلاقة بين الشغف و الملاحظة؟
كان المصري يلاحظ أدق التفاصيل و الظواهر الكونية و لا يجد لها تفسيراً واضحاً،
هنا يأتي دور الشغف لمعرفة الأسباب وراء هذه الظواهر و كانت الإجابة المُقدَمة
دائماً الألهة و لكي تتقي شرها و تنول رضاها يجب أن تقيم المعابد و التماثيل.
دائماً ما يسعي الإنسان وراء المجهول و من يقدم أقوي و أوضح تفسير لهذا الغامض
المبهم يسيطر علي الناس و علي أهدافهم و توجهاتهم، فإن كان الدين أو العلم أو
السحر أياً ما كان من تفاسير فهي تقيد الأنسان و ترهق الباحث عن الحقيقة. بعد ذلك
يأتي دور الذكاء و الموقع و القدرة و العظمة، فلا حضارة دون دافع و محرك و كان
دائما –في حالة الفراعنة- الدافع الألهة- التي تقدم بطبيعة الحال التفسير و تبرّد
نار الشعف، فالشغف يلهب و التفسير يحرك. فمثلاً التحنيط ذلك العلم المعجز و الذي وقف
أمامه العلم لبرهة من الزمن وُجِدَ لأن المصري لم يعلم أين تذهب الشمس بعد المغيب
و من هنا كان التفسير أنها تذهب إلي العالم السفلي و لذا وجب الحفاظ علي الجسد في
حالة سليمة. إني لست من البلاهة أن أجحد دور الذكاء منقطع النظير أو الدقة و
الأبداع و لكني أعتقد أن كل خبايا الإنسان و قدراتهُ تطفو علي السطح إذا وُجدَ
الدافع. أما عن ما تتركه تلك الحضارة، فهي ليست مصدر نتكسب منه في يومنا هذا عن
طريق السياحة و شكراً. إن الحضارة إرث إنساني يجب أن تتشاركه الإنسانية التي عَملت
علي الإرتقاء بنوعها علي مر العصور فالعلم و الإبداع و الحضارة من الإنسان و
للإنسان لا تستعبدها التوجهات ولا الإنتماءات. و أخيراً عزيزي القارئ أي إرث بشري
تترك و أي إرث نترك؟! لا شيئ ، إن كنا هنا لنتعجب و لا نضيف، نحلل و لا نعمل
فسحقاً لنا. يجب أن نجد دافع أو نوجده من العدم و دائماً كن شغوفاً فإن ما يحرك
البشر هو الشغف.
كتابة: خالد أحمد