Pages


Thursday 12 April 2012

ما حدث عند "الكُشك"



قد يعتبر الكثيرون أن يوم الخميس يوم مقدس لذا ينفقون أيام الأسبوع في وضع خطط محكمة للإستمتاع به, و الحقيقة أني أفعل هذا ايضاً و أضع خططاً معقدة ليوم خميس مبهر و لكني- و الحمد لله- لم أنفذ أياً منها منذ عدة سنوات و كان البديل دائما هو " الكشك".و في أحد أيام الخميس التي باءت خطتهُ بالفشل-كالعادة- ذهبت إلي الكُشك. فالكشك بأي حال من الأحوال أصبح مكاناً للتجمع و لم يعد يقتصر علي بيع السجائر أو "الشبسي" و توابعه.
هناك بعد أن رحبت بأصدقائي, المجتمعين حول تلك العلبة الحديدية "الكُشك", و أبتسمت بسبب الضجيج الذى صدر منهم للرد بحرارة علي تحيتي, بدأ الحديث يدور و بدأت الضحكات تعلو, و في وسط كل تلك الأصوات سمعت من يقول:" ما هو لو توفيق عكاشة مكانش محبوب مكنش دخل مجلس الشعب". و في حالة من الذهول تسائلت هل توفيق عكاشة أصبح نائباً؟ و عندما لم أجد إجابة كان لابد ان أبحث عن المتكلم لأجده رجلاً في الخمسين يتحدث مع رجلين في مثل عمره أو أصغر و هم متوسطوا الحال إن لم يكن أقل و قد اتخذوا من صناديق المياة الغازية الفارغة مجلساً لهم. لم يقتصر الحديث علي أن عكاشة أصبح نائباً بل تطرقوا إلي عدة نقاشات حاول من خلالها هذا الرجل أن يقنع صاحبيه بكل إصرار ببعض الهرطقات السياسية و الأجتماعية أيضاً, وعندها بدء أصدقائي يتلفتون إلي هذا الحديث الكوميدي في وجهة نظرهم و أجمع الجميع أن الفرصة سانحة ل" أشتغالة".
فتدخل أحد أصدقائي  في الحديث متسائلاً بنبرة جاده ساخرة أيضاً: " أيه ده هو عكاشة دخل المجلس فعلاً يا حج؟" فأجاب جازماَ و مادحاَ بنعم و هنا تدخل آخر من أصدقئي قائلاً:" آه هو فعلاً راجل محترم و شغال بالمستندات" و هنا بدا صوت الضحكات واضحاً و أستمر هذا الحديث الهزلي السجالي إلي أن و صل إلي مذبحة بورسعيد الشنعاء, فقال أحدنا:" دول قتلوا الناس مع أن المصري كسبان" و هنا أنتفض أحد الرجال الثلاثة قائلأً بكل فخر:" كسب مره من نفسه دا الأهلي بيكسب علطول", و كأن الفاجعة في هزيمة النادي الأهلي, و هنا أستمرت الضحكات و أردت أن أضحك لكن شىء ما بداخلي أرغمني على التوقف كي أُحيل و فجأة الحوار بنبرة جاده إلي مساره الطبيعي محاولاً ان اشرح لثلاثتهم الوضع السياسي الحالي و أن أؤكد لهم أن توفيق عكاشة بالفعل ليس في مجلس الشعب و أضطررت أن انفق بعد الوقت ليصدقواكلامي بعد أن أكد صحته أغلب الجالسون.
 لكن ما شغلني فيما بعد هو لماذا توقفت عن الأبتسام و أردت و فجأة أن أشرح و أؤكد و اتكلم بجدية. بالطبع ليس حبي في السياسة فبيني و بين قواعدها نظرات إحتقار إن لم يكن كرهاً, و أيضاَ لم يكن حباً في "العكننة" و توقف الضحك. الحقيقة هي أني أدركت أن الموقف لمس بداخلي قضية تؤرقني و هي أين الوعي من الشعب المصري؟ إني لا أقصد الرجال الثلاثة فقط, فهم قد حُرِموا من الكثير و من تجاهلهم أكثر. و إذا نظرنا نرى أن رجلاً ببعض المعلومات غير الدقيقة حاول التأثير علي صاحبيه. المشكلة الحقيقية أننا و قد أُتيحت لنا الفرص و كنا- الجالسين- في جامعات ذات وزن لا ندرك أن قصر المعلومات مشكلة نواجهها أكثر منهم لكننا ننكر. كلٌ منا يري نفسه من النخبة, إذا تحاور أصر و إذا أخطأ فكرياً انكر. إنا مثل هذا الرجل الذي وصفناه بقلة الوعي فهو غير متأكد من معلوماتهُ و كثيرا ما نكون أيضاً, مُصِرأ على رأيه, يرفض الأستماع و يستخدمه للتأثير علي الناس. و هذا ما نفعله ولكن مع أستخدام بعض المصطلحات المعقدة و أسلوب منمق لنؤكد أننا علي درجة كافية من الوعي. الفرق الوحيد أننا نمتلك الفرصة لكسب  وعي أكثر صلابة و علم أكثر قوة. فقبل أن نلوم الناس علي قصر وعيهم يجب أن نلوم أنفسنا لأننا تركناهم يتخبطون و يجب أن ندرك أننا قد نعاني من ذاك القصر أيضاً . فالوعي و الثقافة هما أحد أكثر الحلول فاعلية لمصر أفضل, فشعب أكثر و عياً هو شعب قادر علي تحديد أهدافه و الو صول لها.
 نُشرت في الAUC Times 
عدد أبريل